الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* رَوَاهُ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (باب لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه رواه جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي روى معناه. وسيأتي شرح ذلك في " باب بيع الميتة والأصنام". الحديث: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ أَخْبَرَنِي طَاوُسٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ فُلَانًا بَاعَ خَمْرًا فَقَالَ قَاتَلَ اللَّهُ فُلَانًا أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا الشرح: قوله: (بلغ عمر بن الخطاب أن فلانا باع خمرا) في رواية مسلم وابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة بهذا الإسناد " أن سمرة باع خمرا فقال: قاتل الله سمرة " زاد البيهقي من طريق الزعفراني " عن سفيان عن سمرة بن جندب " قال ابن الجوزي والقرطبي وغيرهما اختلف في كيفية بيع سمرة للخمر على ثلاثة أقوال: أحدها أنه أخذها من أهل الكتاب عن قيمة الجزية فباعها منهم معتقدا جواز ذلك، وهذا حكاه ابن الجوزي عن ابن ناصر ورجحه وقال: كان ينبغي له أن يوليهم بيعها فلا يدخل في محظور وإن أخذ أثمانها منهم بعد ذلك لأنه لم يتعاط محرما ويكون شبيها بقصة بريره حيث قال " هو عليها صدقة ولنا هدية". والثاني قال الخطابي: يجوز أن يكون باع العصير ممن يتخذه خمرا، والعصير يسمى خمرا كما قد يسمى العنب به لأنه يئول إليه قاله الخطابي، قال: ولا يظن بسمرة أنه باع عين الخمر بعد أن شاع تحريمها، وإنما باع العصير. والثالث أن يكون خلل الخمر وباعها، وكان عمر يعتقد أن ذلك لا يحلها كما هو قول أكثر العلماء، واعتقد سمرة الجواز كما تأوله غيره أنه يحل التخليل، ولا ينحصر الحل في تخليلها بنفسها، قال القرطبي تبعا لابن الجوزي: والأشبه الأول. قلت: ولا يتعين على الوجه الأول أخذها عن الجزية بل يحتمل أن تكون حصلت له عن غنيمة أو غيرها، وقد أبدى الإسماعيلي في " المدخل " فيه احتمالا آخر، وهو أن سمرة علم تحريم الخمر ولم يعلم تحريم بيعها ولذلك اقتصر عمر على ذمه دون عقوبته، وهذا هو الظن به، ولم أر في شيء من الأخبار أن سمرة كان واليا لعمر على شيء من أعماله، إلا أن ابن الجوزي أطلق أنه كان واليا على البصرة لعمر بن الخطاب، وهو وهم فإنما ولي سمرة على البصرة لزياد وابنه عبيد الله بن زياد بعد عمر بدهر، ولاة البصرة لعمر قد ضبطوا وليس منهم سمرة، ويحتمل أن يكون بعض أمرائها استعمل سمرة على قبض الجزية. قوله: (حرمت عليهم الشحوم) أي أكلها، وإلا فلو حرم عليهم بيعها لم يكن لهم حيلة فيما صنعوه من إذابتها. قوله: (فجملوها) بفتح الجيم والميم أي أذابوها، يقال جمله إذا أذابه، والجميل الشحم المذاب، ووجه تشبيه عمر بيع المسلمين الخمر ببيع اليهود المذاب من الشحم الاشتراك في النهي عن تناول كل منهما، لكن ليس كل ما حرم تناوله حرم بيعه كالحمر الأهلية وسباع الطير، فالظاهر أن اشتراكهما في كون كل منهما صار بالنهي عن تناوله نجسا هكذا حكاه ابن بطال عن الطبري وأقره، وليس بواضح بل كل ما حرم تناوله حرم بيعه، وتناول الحمر والسباع وغيرهما مما حرم أكله إنما يتأتى بعد ذبحه، وهو بالذبح يصير ميتة لأنه لا ذكاة له وإذا صار ميتة صار نجسا ولم يجز بيعه. فالإيراد في الأصل غير وارد، هذا قول الجمهور وإن خالف في بعضه بعض الناس، وأما قول بعضهم: الابن إذا ورث جارية أبيه حرم عليه وطؤها وجاز له بيعها وأكل ثمنها، فأجاب عياض عنه بأنه تمويه لأنه لم يحرم عليه الانتفاع بها مطلقا وإنما حرم عليه الاستمتاع بها لأمر خارجي، والانتفاع بها لغيره في الاستمتاع وغيره حلال إذا ملكها، بخلاف الشحوم فإن المقصود منها وهو الأكل كان محرما على اليهود في كل حال وعلى كل شخص فافترقا. وفي الحديث لعن العاصي المعين، ولكن يحتمل أن يقال إن قول عمر " قاتل الله سمرة " لم يرد به ظاهره بل هي كلمة تقولها العرب عند إرادة الزجر فقالها في حقه تغليظا عليه، وفيه إقالة ذوي الهيآت زلاتهم لأن عمر اكتفى بتلك الكلمة عن مزيد عقوبة ونحوها، وفيه إبطال الحيل والوسائل إلى المحرم، وفيه تحريم بيع الخمر وقد نقل ابن المنذر وغيره في ذلك الإجماع، وشذ من قال يجوز بيعها ويجوز بيع العنقود المستحيل باطنه خمرا، واختلف في علة ذلك فقيل لنجاستها وقيل لأنه ليس فيها منفعة مباحة مقصودة وقيل للمبالغة في التنفير عنها، وفيه أن الشيء إذا حرم عينه حرم ثمنه، وفيه دليل على أن بيع المسلم الخمر من الذمي لا يجوز، وكذا توكيل المسلم الذمي في بيع الخمر، وأما تحريم بيعها على أهل الذمة فمبني على الخلاف في خطاب الكافر بالفروع، وفيه استعمال القياس في الأشباه والنظائر، واستدل به على تحريم بيع جثة الكافر إذا قتلناه وأراد الكافر شراءه. وعلى منع بيع كل محرم نجس ولو كان فيه منفعة كالسرقين، وأجاز ذلك الكوفيون وذهب بعض المالكية إلى جواز ذلك للمشتري دون البائع لاحتياج المشتري دونه، وأجاز ذلك الكوفيون، وذهب بعض جابر بيان الوقت الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقالة، وفيه البحث عن الانتفاع بشحم الميتة وإن حرم بيعها، وما يستثنى من تحريم بيع الميتة إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَاتَلَ اللَّهُ يَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ لَعَنَهُمْ قُتِلَ لُعِنَ الْخَرَّاصُونَ الْكَذَّابُونَ الشرح: قوله: (أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك، ويونس هو ابن يزيد. قوله: (قاتل الله يهودا) كذا بالتنوين على إرادة البطن. وفي رواية بغير تنوين على إرادة القبيلة، وقد ذكر المصنف في رواية المستملي في آخر الباب أن معناه لعنهم، واستشهد بأن قوله تعالى وقال الهروي: معنى قاتلهم قتلهم، قال: وفاعل أصلها أن يقع الفعل بين اثنين، وربما جاء من واحد كسافرت وطارقت النعل. وقال غيره: معنى قاتلهم عاداهم وقال الداودي من صار عدو الله وجب قتله. وقال البيضاوي: قاتل أي عادي أو قتل. وأخرج في صورة المبالغة، أو عبر عنه بما هو مسبب عنهم فإنهم بما اخترعوا من الحيلة انتصبوا لمحاربة الله ومن حاربه حرب ومن قاتله قتل. *3* الشرح: قوله: (باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح؛ وما يكره من ذلك) أي من الاتخاذ أو البيع أو الصنعة أو ما هو أعم من ذلك، والمراد بالتصاوير الأشياء التي تصور. ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث ابن عباس مرفوعا " من صور صورة فإن الله معذبه " الحديث، وجه الاستدلال به على كراهية البيع وغيره واضح، وسعيد بن أبي الحسن راويه عن ابن عباس هو أخو الحسن البصري وهو أسن منه ومات قبله وليس له في البخاري موصولا سوى هذا الحديث، وسيأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَخْبَرَنَا عَوْفٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبَّاسٍ إِنِّي إِنْسَانٌ إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ سَمِعْتُهُ يَقُولُ مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ فَقَالَ وَيْحَكَ إِنْ أَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تَصْنَعَ فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ سَمِعَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ مِنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ هَذَا الْوَاحِدَ الشرح: قوله: (فربا الرجل) بالراء والموحدة أي انتفخ، قال الخليل: ربا الرجل أصابه نفس في جوفه وهو الربو والربوة؛ وقيل معناه ذعر وامتلأ خوفا. وقوله ربوة بضم الراء وبفتحها. قوله: (فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح) كذا في الأصل بخفض " كل " على أنه بدل كل من بعض؛ وقد جوزه بعض النحاة. ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي عليك بمثل الشجر، أو على حذف واو العطف أي وكل شيء، ومثله قولهم في التحيات الصلوات إذ المعنى والصلوات، وبهذا الأخير جزم الحميدي في جمعه، وكذا ثبت في رواية مسلم والإسماعيلي بلفظ " فاصنع الشجر وما لا نفس له " ولأبي نعيم من طريق هوذة عن عوف " فعليك بهذا الشجر وكل شيء ليس فيه روح " بإثبات واو العطف. وقال الطيبي قوله " كل شيء " هو بيان للشجر لأنه لما منعه عن التصوير وأرشده إلى الشجر كان غير واف بمقصوده ولأنه قصد كل ما لا روح فيه ولم يقصد خصوص الشجر، وقوله كل بالخفض ويجوز النصب. قوله: (قال أبو عبد الله) هو المصنف. قوله: (سمع سعيد بن أبي عروبة من النضر بن أنس هذا الواحد) أي الحديث، سقطت هذه الزيادة من رواية النسفي هنا، وأشار بذلك إلى ما أخرجه في اللباس من طريق عبد الأعلى عن سعيد عن النضر عن ابن عباس بمعناه، وسأذكر ما بين الروايتين من التغاير هناك إن شاء الله تعالى. ثم وجدت في نسخة الصغاني قبل قوله " سمع سعيد " ما نصه " قال أبو عبد الله: وعن محمد عن عبدة عن سعيد بن أبي عروبة سمعت النضر بن أنس قال: كنت عند ابن عباس " بهذا الحديث وبعده " قال أبو عبد الله سمع سعيد الخ " فزال الإشكال بهذا، ولم أجد هذا في شيء من نسخ البخاري إلا في نسخة الصغاني، ومحمد المذكور هو ابن سلام، وعبدة هو ابن سليمان. *3* وَقَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَرَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ الشرح: قوله: (باب تحريم التجارة في الخمر) تقدم نظير هذه الترجمة في أبواب المساجد لكن بقيد المسجد، وهذه أعم من تلك. قوله: (وقال جابر حرم النبي صلى الله عليه وسلم الخمر) سيأتي موصولا بعد ستة أبواب، ونذكر تحرير المسألة هناك إن شاء الله تعالى. ثم أورد حديث عائشة بلفظ " حرمت التجارة في الخمر " وقد تقدم في " بأب أكل الربا " من هذا الوجه أتم سياقا، ولأحمد والطبراني من حديث تميم الداري مرفوعا " إن الخمر حرام شراؤها وثمنها". *3* الشرح: قوله: (باب إثم من باع حرا) أي عالما متعمدا، والحر الظاهر أن المراد به من بني آدم، ويحتمل أن يكون أعم من ذلك فيدخل مثل الموقوف. الحديث: حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ اللَّهُ ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ الشرح: قوله: (حدثنا بشر بن مرحوم) هو بشر بن عبيس بمهملة ثم موحدة مصغرا بن مرحوم بن عبد العزيز ابن مهران العطار فنسب إلى جده، وهو شيخ بصري ما أخرج عنه من الستة إلا البخاري، وقد أخرج حديثه هذا في الإجارة عن شيخ آخر وافق بشرا في روايته له عن شيخهما. قوله: (حدثنا يحيى بن سليم) بالتصغير هو الطائفي نزيل مكة مختلف في توثيقه، وليس له في البخاري موصولا سوى هذا الحديث، وذكره في الإجارة من وجه آخر عنه، والتحقيق أن الكلام فيه إنما وقع في روايته عن عبيد الله بن عمر خاصة، وهذا الحديث من غير روايته، واتفق الرواة عن يحيى بن سليم على أن الحديث من رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة، وخالفهم أبو جعفر النفيلي فقال " عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة " قاله البيهقي والمحفوظ قول الجماعة. قوله: (ثلاثة: أنا خصمهم) زاد ابن خزيمة وابن حبان والإسماعيلي في هذا الحديث " ومن كنت خصمه خصمته " قال ابن التين: هو سبحانه وتعالى خصم لجميع الظالمين إلا أنه أراد التشديد على هؤلاء بالتصريح، والخصم يطلق على الواحد وعلى الاثنين وعلى أكثر من ذلك. وقال الهروي الواحد بكسر أوله. وقال الفراء الأول قول الفصحاء، ويجوز في الاثنين خصمان والثلاثة خصوم. قوله: (أعطى بي ثم غدر) كذا للجميع على حذف المفعول والتقدير أعطى يمينه بي أي عاهد عهدا وحلف عليه بالله نقضه. قوله: (باع حرا فأكل ثمنه) خص الأكل بالذكر لأنه أعظم مقصود، ووقع عند أبي داود من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا " ثلاثة لا تقبل منهم صلاة " فذكر فيهم " ورجل اعتبد محررا " وهذا أعم من الأول في الفعل وأخص منه في المفعول به، قال الخطابي: اعتباد الحر يقع بأمرين: أن يعتقه ثم يكتم ذلك أو يجحد، والثاني أن يستخدمه كرها بعد العتق، والأول أشدهما. قلت: وحديث الباب أشد لأن فيه مع كتم العتق أو جحده العمل بمقتضى ذلك من البيع وأكل الثمن فمن ثم كان الوعيد عليه أشد، قال المهلب: وإنما كان إثمه شديدا لأن المسلمين أكفاء في الحرية، فمن باع حرا فقد منعه التصرف فيما أباح الله له وألزمه الذل الذي أنقذه الله منه. وقال ابن الجوزي: الحر عبد الله، فمن جنى عليه فخصمه سيده. وقال ابن المنذر لم يختلفوا في أن من باع حرا أنه لا قطع عليه، يعني إذا لم يسرقه من حرز مثله، إلا ما يروى عن علي تقطع يد من باع حرا قال: وكان في جواز بيع الحر خلاف قديم ثم ارتفع، فروى عن علي قال: من أقر على نفسه بأنه عبد فهو عبد. قلت: يحتمل أن يكون محله فيمن لم تعلم حريته، لكن روى ابن أبي شيبة من طريق قتادة " أن رجلا باع نفسه فقضى عمر بأنه عبد وجعل ثمنه في سبيل الله " ومن طريق زرارة بن أوفى أحد التابعين أنه باع حرا في دين، ونقل ابن حزم أن الحر كان يباع في الدين حتى نزلت قوله: (ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره) هو في معنى من باع حرا وأكل ثمنه لأنه استوفى منفعته بغير عوض وكأنه أكلها، ولأنه استخدمه بغير أجرة وكأنه استعبده. *3* فِيهِ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الشرح: قوله: (باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود ببيع أرضيهم) كذا في رواية أبي ذر بفتح الراء وكسر الضاد المعجمة جمع أرض وهو جمع شاذ لأنه جمع جمع السلامة ولم يبق مفرده سالما لأن الراء في المفرد ساكنة وفي الجمع محركة. قوله: (حين أجلاهم) أي من المدينة. قوله: (فيه المقبري عن أبي هريرة) يشير إلى ما أخرجه في الجهاد في " باب إخراج اليهود من جزيرة العرب من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة قال " بينا نحن في المسجد إذ خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انطلقوا إلى اليهود - وفيه - فقال إني أريد أن أجليكم، فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه " وهذه القصة وقعت لبني النضير كما سيأتي بيان ذلك في موضعه، وكأن المصنف أخذ بيع الأرض من عموم بيع المال، وقد تقدم في أبواب الخيار في قصة عثمان وابن عمر إطلاق المال على الأرض، وغفل الكرماني عن الإشارة إلى هذا الحديث فقال: إنما ذكر البخاري هذا الحديث بهذه الصيغة مقتضبا لكونه لم يثبت الحديث المذكور على شرطه والصواب أنه اكتفى هنا بالإشارة إليه لاتحاد مخرجه عنده ففر من تكرار الحديث على صورته بغير فائدة زائدة كما هو الغالب من عادته. *3* وَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ يُوفِيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ يَكُونُ الْبَعِيرُ خَيْرًا مِنْ الْبَعِيرَيْنِ وَاشْتَرَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ فَأَعْطَاهُ أَحَدَهُمَا وَقَالَ آتِيكَ بِالْآخَرِ غَدًا رَهْوًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ لَا رِبَا فِي الْحَيَوَانِ الْبَعِيرُ بِالْبَعِيرَيْنِ وَالشَّاةُ بِالشَّاتَيْنِ إِلَى أَجَلٍ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ لَا بَأْسَ بَعِيرٌ بِبَعِيرَيْنِ نَسِيئَةً الشرح: قوله: (باب بيع والعبد والحيوان بالحيوان نسيئة) التقدير بيع العبد بالعبد نسيئة والحيوان بالحيوان نسيئة وهو من عطف العام على الخاص، وكأنه أراد بالعبد جنس من يستعبد فيدخل فيه الذكر والأنثى ولذلك ذكر قصة صفية، أو أشار إلى إلحاق حكم الذكر بحكم الأنثى في ذلك لعدم الفرق، قال ابن بطال: اختلفوا في ذلك فذهب الجمهور إلى الجواز، لكن شرط مالك أن يختلف الجنس، ومنع الكوفيون وأحمد مطلقا لحديث سمرة المخرج في السنن ورجاله ثقات إلا أنه اختلف في سماع الحسن من سمرة، وفي الباب عن ابن عباس عند البزار والطحاوي ورجاله ثقات أيضا إلا أنه اختلف في وصله وإرساله فرجح البخاري وغير واحد إرساله، وعن جابر عند الترمذي وغيره وإسناده لين، وعن جابر بن سمرة عند عبد الله في زيادات المسند، وعن ابن عمر عند الطحاوي والطبراني، واحتج للجمهور بحديث عبد الله بن عمرو " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا - وفيه - فابتاع البعير بالبعيرين بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه الدار قطني وغيره وإسناده قوي، واحتج البخاري هنا بقصة صفية واستشهد بآثار الصحابة. قوله: (واشترى ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة...الحديث) وصل مالك والشافعي عنه عن نافع عن ابن عمر بهذا ورواه ابن أبي شيبة من طريق أبي بشر عن نافع " أن ابن عمر اشترى ناقة بأربعة أبعرة بالربذة فقال لصاحب الناقة: اذهب فانظر فإن رضيت فقد وجب البيع " وقوله " راحلة " أي ما أمكن ركوبه من الإبل ذكرا أو أنثى، وقوله "مضمونة " صفة راحلة أي تكون في ضمان البائع حتى يوفيها أي يسلمها للمشتري، والربذة بفتح الراء والموحدة والمعجمة مكان معروف بين مكة والمدينة. قوله: (وقال ابن عباس قد يكون البعير خيرا من البعيرين) وصله الشافعي من طريق طاوس أن ابن عباس سئل عن بعير ببعيرين فقاله. قوله: (واشترى رافع بن خديج بعيرا ببعيرين فأعطاه أحدهما وقال: آتيك بالآخر غدا رهوا إن شاء الله) وصله عبد الرزاق من طريق مطرف بن عبد الله عنه، وقوله "رهوا " بفتح الراء وسكون الهاء أي سهلا، والرهو السير السهل، والمراد به هنا أن يأتيه به سريعا من غير مطل. قوله: (وقال ابن المسيب: لا ربا في الحيوان البعير بالبعيرين والشاة بالشاتين إلى أجل) أما قول سعيد فوصله مالك عن ابن شهاب عنه " لا ربا في الحيوان " ووصله ابن أبي شيبة من طريق أخرى عن الزهري عنه " لا بأس بالبعير بالبعيرين نسيئة". قوله: (وقال ابن سيرين: لا بأس ببعير ببعيرين ودرهم بدرهم نسيئة) كذا في معظم الروايات، ووقع في بعضها ودرهم بدرهمين نسيئة وهو خطأ والصواب درهم بدرهم، وقد وصله عبد الرزاق من طريق أيوب عنه بلفظ " لا بأس بعير ببعيرين ودرهم بدرهم نسيئة، فإن كان أحد البعيرين نسيئة فهو مكروه " وروى سعيد بن منصور من طريق يونس عنه أنه كان لا يرى بأسا بالحيوان يدا بيد أو الدراهم نسيئة، ويكره أن تكون الدراهم نقدا والحيوان نسيئة. الحديث: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ فَصَارَتْ إِلَى دَحْيَةَ الْكَلْبِيِّ ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (كان في السبي صفية فصارت إلى دحية ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم) كذا أورده مختصرا وأشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه مما يناسب ترجمته أنه صلى الله عليه وسلم عوض دحية عنها بسبعة أرؤس، وهو عند مسلم من طريق حماد بن ثابت، وللمصنف من وجه آخر كما سيأتي " فقال لدحية خذ جارية من السبي غيرها " قال ابن بطال: ينزل تبديلها بجارية غير معينة يختارها منزلة بيع جارية بجارية نسيئة، وسيأتي الكلام على قصة صفية هذه مستوفى في غزوة خيبر إن شاء الله تعالى. الشرح: قوله: (باب بيع الرقيق) أورد فيه حديث أبي سعيد أنه قال " يا رسول الله إنا نصيب سبايا فنحب الأثمان " الحديث ودلالته على الترجمة واضحة، وسيأتي الكلام عليه في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى. وقوله في هذا السياق " أنه بينما هو جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا نصيب سبيا " يوهم أنه السائل، وليس كذلك، بل وقع في السياق حذف ظهر بيانه مما ساقه النسائي عن عمرو بن منصور عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه بلفظ " بينما هو جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم جاء رجل من الأنصار فقال " فذكره، وسيأتي البحث في ذلك. الشرح: قوله: (باب بيع المدبر) أي الذي علق مالكه عتقه بموت مالكه، سمي بذلك لأن الموت دبر الحياة أو لأن فاعله دبر أمر دنياه وآخرته: أما دنياه فباستمراره على الانتفاع بخدمة عبده، وأما آخرته فبتحصيل ثواب العتق، وهو راجع إلى الأول، لأن تدبير الأمر مأخوذ من النظر في العاقبة فيرجع إلى دبر الأمر وهو آخره. وقد أعاد المصنف هذه الترجمة في كتاب العتق وضرب عليها في نسخة الصغاني وصارت أحاديتها داخلة في بيع الرقيق وتوجيهها واضح، وكذا هو في رواية النسفي، وأورد المصنف فيه حديثين كل منهما من طريقين: الحديث: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَاعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُدَبَّرَ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ بَاعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي خالد، وعطاء هو ابن أبي رباح، وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق: إسماعيل وسلمة وعطاء، فإسماعيل وسلمة قرينان من صغار التابعين وعطاء من أوساطهم. قوله: (باع النبي صلى الله عليه وسلم المدبر) هكذا أورده مختصرا، وأخرجه ابن ماجة من طريق وكيع كذلك، وأخرجه أحمد عن وكيع كذلك لكن زاد " عن سفيان وإسماعيل جميعا عن سلمة " وأخرجه الإسماعيلي من طريق أبي بكر بن خلاد عن وكيع ولفظه " في رجل أعتق غلاما له عن دبر وعليه دين فباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانمائة " درهم " وقد أخرجه المصنف في الأحكام عن ابن نمير شيخه فيه هنا لكن قال " عن محمد بن بشر - بدل وكيع - عن إسماعيل بن أبي خالد " ولفظه " بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا من أصحابه أعتق غلاما له عن دبر لم يكن له مال غيره فباعه بثمانمائة درهم ثم أرسل بثمنه إليه " وترجم عليه " بيع الإمام على الناس أموالهم " وقال في الترجمة " وقد باع النبي صلى الله عليه وسلم مدبرا من نعيم بن النحام " وأشار بذلك إلى ما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق أيوب عن أبي الزبير عن جابر " أن رجلا من الأنصار يقال له أبو مذكور أعتق غلاما له يقال له يعقوب عن دبر لم يكن له مال غيره، فدعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يشتريه؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله النحام بثمانمائة درهم فدفعها إليه " الحديث، وقد تقدم في " باب بيع المزايدة " من وجه آخر عن عطاء بلفظ " إن رجلا أعتق غلاما له عن دبر فاحتاج فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم ابن عبد الله " فأفاد في هذه الرواية سبب بيعه وهو الاحتياج إلى ثمنه. وفي رواية ابن خلاد زيادة في تفسير الحاجة وهو الدين، فقد ترجم له في الاستقراض " من باع مال المفلس فقسمه بين الغرماء أو أعطاه حتى ينفق على نفسه " وكأنه أشار بالأول إلى ما تقدم من رواية وكيع عند الإسماعيلي في قوله " وعليه دين " وإلى ما أخرجه النسائي من طريق الأعمش عن سلمة بن كهيل بلفظ " إن رجلا من الأنصار أعتق غلاما له عن دبر وكان محتاجا وكان عليه دين فباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانمائة درهم، فأعطاه وقال: اقض دينك " وبالثاني إلى ما أخرجه مسلم والنسائي من طريق الليث عن أبي الزبير جابر قال " أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألك مال غيره؟ فقال لا " الحديث وفيه " فدفعها إليه ثم قال: ابدأ بنفسك فتصدق عليها " الحديث. وفي رواية أيوب المذكورة نحوه ولفظه " وإذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه، فإن كان فضل فعلى عياله " الحديث فاتفقت هذه الروايات على أن بيع المدبر كان في حياة الذي دبره، إلا ما رواه شريك عن سلمة بن كهيل بهذا الإسناد " إن رجلا مات وترك مدبرا ودينا، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فباعه في دينه بثمانمائة درهم " أخرجه الدار قطني، ونقل عن شيخه أبي بكر النيسابوري أن شريكا أخطأ فيه، والصحيح ما رواه الأعمش وغيره عن سلمة وفيه " ودفع ثمنه إليه " وفي رواية النسائي من وجه آخر عن إسماعيل بن أبي خالد " ودفع ثمنه إلى مولاه". قلت: وقد رواه أحمد عن أسود بن عامر عن شريك بلفظ " إن رجلا دبر عبدا له وعليه دين، فباعه النبي صلى الله عليه وسلم في دين مولاه " وهذا شبيه برواية الأعمش وليس فيه للموت ذكر، وشريك كان تغير حفظه لما ولي القضاء، وسماع من حمله عنه قبل ذلك أصح ومنهم أسود المذكور. (تنبيهات) : الأول: اتفقت الطرق على أن ثمه ثمانمائة درهم، إلا ما أخرجه أبو داود من طريق هشيم عن إسماعيل قال " سبعمائة أو تسعمائة". الثاني: وجدت لوكيع في حديث الباب إسناد آخر أخرجه ابن ماجة من طريق أبي عبد الرحمن الأدرمي عنه عن أبي عمرو بن العلاء عن عطاء مثل لفظ حديث الباب مختصرا. الثالث: وقع في رواية الأوزاعي عن عطاء عند أبي داود زيادة في آخر الحديث وهو " أنت أحق بثمنه والله أغنى عنه". قوله: (عن عمرو) هو ابن دينار. وفي رواية الحميدي في مسنده " حدثنا عمرو بن دينار". قوله: (باعه رسول الله صلى الله عليه وسلم) هكذا أخرجه أيضا مختصرا ولم يذكر من يعود الضمير عليه، وقد أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه عن سفيان فزاد في آخره " يعني المدبر " وأخرجه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم وأبي بكر بن أبي شيبة جميعا عن سفيان بلفظ " دبر رجل من الأنصار غلاما له لم يكن له مال غيره فباعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتراه ابن النحام عبدا قبطيا مات عام أول في إمارة ابن الزبير " وهكذا أخرجه أحمد عن سفيان بتمامه نحوه، وقد أخرجه المصنف في كفارات الأيمان من طريق حماد بن زيد عن عمرو نحوه ولم يقل " في إمارة ابن الزبير " ولا عين الثمن، قال القرطبي وغيره: اتفقوا على مشروعية التدبير، واتفقوا على أنه من الثلث، غير الليث وزفر فإنهما قالا: من رأس المال، واختلفوا هل هو عقد جائز أو لازم، فمن قال لازم منع التصرف فيه إلا بالعتق، ومن قال جائز أجاز، وبالأول قال مالك والأوزاعي والكوفيون، وبالثاني قال الشافعي وأهل الحديث، وحجتهم حديث الباب، ولأنه تعليق للعتق بصفة انفرد السيد بها فيتمكن من بيعه كمن علق عتقه بدخول الدار مثلا، ولأن من أوصى بعتق شخص جاز له بيعه باتفاق فيلحق به جواز بيع المدبر لأنه في معنى الوصية، وقيد الليث الجواز بالحاجة وإلا فيكره، وأجاب الأول بأنها قضية عين لا عموم لها فيحمل على بعض الصور، وهو اختصاص الجواز بما إذا كان عليه دين، وهو مشهور مذهب أحمد والخلاف في مذهب مالك أيضا. وأجاب بعض المالكية عن الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم رد تصرف هذا الرجل لكونه لم يكن له مال غيره فيستدل به على رد تصرف من تصدق بجميع ماله، وادعى بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم إنما باع خدمة المدبر لا رقبته، واحتج بما رواه ابن فضيل عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال " لا بأس ببيع خدمة المدبر " أخرجه الدار قطني ورجال إسناده ثقات، إلا أنه اختلف في وصله وإرساله، ولو صح لم يكن فيه حجة إذ لا دليل فيه على أن البيع الذي وقع في قصة المدبر الذي اشتراه نعيم بن النحام كان في منفعته دون رقبته. الحديث: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ عَنْ الْأَمَةِ تَزْنِي وَلَمْ تُحْصَنْ قَالَ اجْلِدُوهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ الشرح: حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في بيع الأمة إذا زنت، وقد تقدمت الإشارة إليه في " باب بيع العبد الزاني " وأورده هنا من وجه آخر عن أبي هريرة، ووجه دخوله في هذا الباب عموم الأمر ببيع الأمة إذا زنت، فيشمل ما إذا كانت مدبرة أو غير مدبرة فيؤخذ منه جواز بيع المدبر في الجملة، وأما ما وقع في رواية النسفي وفي نسخة الصغاني فلا يحتاج إلى اعتذار. *3* وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يُبَاشِرَهَا وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذَا وُهِبَتْ الْوَلِيدَةُ الَّتِي تُوطَأُ أَوْ بِيعَتْ أَوْ عَتَقَتْ فَلْيُسْتَبْرَأْ رَحِمُهَا بِحَيْضَةٍ وَلَا تُسْتَبْرَأُ الْعَذْرَاءُ وَقَالَ عَطَاءٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُصِيبَ مِنْ جَارِيَتِهِ الْحَامِلِ مَا دُونَ الْفَرْجِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ الشرح: قوله: (باب هل يسافر بالجارية قبل أن يستبرئها) هكذا قيد بالسفر، وكأن ذلك لكونه مظنة الملامسة والمباشرة غالبا. قوله: (ولم ير الحسن بأسا أن يقبلها أو يباشرها) وصله ابن أبي شيبة من طريق يونس بن عبيدة عنه قال: وكان ابن سيرين يكره ذلك. وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن الحسن قال يصيب ما دون الفرج، قال الداودي: قول الحسن إن كان في المسبية صواب. وتعقبه ابن التين بأنه لا فرق في الاستبراء بين المسبية وغير ها. قوله: (وقال ابن عمر: إذا وهبت الوليدة التي توطأ أو بيعت أو عتقت فليستبرأ رحمها بحيضة، ولا تستبرأ العذراء) أما قوله الأول فوصله ابن أبي شيبة من طريق عبد الله عن نافع عنه، وأما قوله " ولا تستبرأ العذراء " فوصله عبد الرزاق من طريق أيوب عن نافع عنه، وكأنه يرى أن البكارة تمنع الحمل أو تدل على عدمه أو عدم الوطء وفيه نظر، وعلى تقديره ففي الاستبراء شائبة تعبد ولهذا تستبرأ التي أيست من الحيض. قوله: (وقال عطاء: لا بأس أن يصيب من جاريته الحامل ما دون الفرج، قال الله تعالى قلت: والثاني أشبه بمراده، ولذلك قيده بما دون الفرج، ووجه استدلاله بالآية أنها دلت على جواز الاستمتاع بجميع وجوهه، فخرج الوطء بدليل فبقي الباقي على الأصل. ثم ذكر المصنف في الباب حديث أنس في قصة صفية وسيأتي مبسوطا في المغازي، والغرض منه هنا قوله " حتى بلغنا سد الروحاء حلت فبنى بها " فإن المراد بقوله " حلت " أي طهرت من حيضها. وقد روى البيهقي بإسناد لين أنه صلى الله عليه وسلم استبرأ صفية بحيضة، وأما ما رواه مسلم من طريق ثابت عن أنس " أنه صلى الله عليه وسلم ترك صفية عند أم سليم حتى انقضت عدتها " فقد شك حماد راويه عن ثابت في رفعه، وفي ظاهره نظر لأنه صلى الله عليه وسلم دخل بها منصرفه من خيبر بعد قتل زوجها بيسير فلم يمض زمن يسع انقضاء العدة، ولا نقلوا أنها كانت حاملا فتحمل العدة على طهرها من المحيض وهو المطلوب، والصريح في هذا الباب حديث أبي سعيد مرفوعا " لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة " قاله في سبايا أو طاس أخرجه أبو داود وغيره وليس على شرط الصحيح. *3* الشرح: قوله: (باب بيع الميتة والأصنام) أي تحريم ذلك، والميتة بفتح الميم ما زالت عنه الحياة لا بذكاة شرعية، والميتة بالكسر الهيئة وليست مرادا هنا، ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع على تحريم بيع الميتة، ويستثنى من ذلك السمك والجراد. والأصنام جمع صنم قال الجوهري: هو الوثن. وقال غيره: الوثن ما له جثة، والصنم ما كان مصورا، فبينهما عموم وخصوص وجهي، فإن كان مصورا فهو وثن وصنم. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ لَا هُوَ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ كَتَبَ إِلَيَّ عَطَاءٌ سَمِعْتُ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله: (عن عطاء) بين في الرواية المعلقة تلو هذه الرواية المتصلة أن يزيد بن أبي حبيب لم يسمعه من عطاء وإنما كتب به إليه، وليزيد فيه إسناد آخر ذكره أبو حاتم في " العلل " من طريق حاتم بن إسماعيل عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد بن عبيدة عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: قد رواه محمد بن إسحاق عن يزيد عن عطاء، ويزيد لم يسمع من عطاء ولا أعلم أحدا من المصريين رواه عن يزيد متابعا لعبد الحميد بن جعفر، فإن كان حفظه فهو صحيح لأن محله الصدق. قلت: قد اختلف فيه على عبد الحميد، ورواية أبي عاصم عنه الموافقة لرواية غيره عن يزيد أرجح فتكون رواية حاتم بن إسماعيل شاذة. قوله: (عن جابر) في رواية أحمد عن حجاج بن محمد عن الليث بسنده " سمعت جابر بن عبد الله بمكة". قوله: (وهو بمكة عام الفتح) فيه بيان تاريخ ذلك؛ وكان ذلك في رمضان سنة ثمان من الهجرة، ويحتمل أن يكون التحريم وقع قبل ذلك ثم أعاده صلى الله عليه وسلم ليسمعه من لم يكن سمعه. قوله: (إن الله ورسوله حرم) هكذا وقع في الصحيحين بإسناد الفعل إلى ضمير الواحد وكان الأصل " حرما " فقال القرطبي: إنه صلى الله عليه وسلم تأدب فلم يجمع بينه وبين اسم الله في ضمير الاثنين، لأنه من نوع ما رد به على الخطيب الذي قال " ومن يعصهما " كذا قال، ولم تتفق الرواة في هذا الحديث على ذلك فإن في بعض طرقه في الصحيح " إن الله حرم " ليس فيه و " رسوله " وفي رواية لابن مردويه من وجه آخر عن الليث " إن الله ورسوله حرما " وقد صح حديث أنس في النهي عن أكل الحمر الأهلية " إن الله ورسوله ينهيانكم " ووقع في رواية النسائي في هذا الحديث " ينهاكم " والتحقيق جواز الإفراد في مثل هذا، ووجهه الإشارة إلى أن أمر النبي ناشئ عن أمر الله، وهو نحو قوله: قوله: (فقيل يا رسول الله) لم أقف على تسمية القائل. وفي رواية عبد الحميد الآتية " فقال رجل". قوله: (أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس) أي فهل يحل بيعها لما ذكر من المنافع فإنها مقتضية لصحة البيع. قوله: (فقال: لا هو حرام) أي البيع، هكذا فسره بعض العلماء كالشافعي ومن اتبعه، ومنهم من حمل قوله " وهو حرام " على الانتفاع فقال: يحرم الانتفاع بها وهو قول أكثر العلماء، فلا ينتفع من الميتة أصلا عندهم إلا ما خص بالدليل وهو الجلد المدبوغ، واختلفوا فيما يتنجس من الأشياء الطاهرة فالجمهور على الجواز. وقال أحمد وابن الماجشون: لا ينتفع بشيء من ذلك، واستدل الخطابي على جواز الانتفاع بإجماعهم على أن من ماتت له دابة ساغ له إطعامها لكلاب الصيد فكذلك يسوغ دهن السفينة بشحم الميتة ولا فرق. قوله: (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود الخ) وسياقه مشعر بقوة ما أوله الأكثر أن المراد بقوله " هو حرام " البيع لا الانتفاع، وروى أحمد والطبراني من حديث ابن عمر مرفوعا " الويل لبني إسرائيل، إنه لما حرمت عليهم الشحوم باعوها فأكلوا ثمها، وكذلك ثمن الخمر عليكم حرام " وقد مضى في " باب تحريم تجارة الخمر " حديث تميم الداري في ذلك. قوله: (وقال أبو عاصم حدثنا عبد الحميد) هو ابن جعفر، وهذه الطريق وصلها أحمد عن أبي عاصم وأخرجها مسلم عن أبي موسى عن أبي عاصم ولم يسبق لفظه بل قال مثل حديث الليث، والظاهر أنه أراد أصل الحديث، وإلا ففي سياقه بعض مخالفة، قال أحمد: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن عبد الحميد ابن جعفر أخبرني يزيد بن أبي حبيب ولفظه " يقول عام الفتح: إن الله حرم بيع الخنازير وبيع الميتة وبيع الخمر وبيع الأصنام، قال رجل: يا رسول الله فما ترى في بيع شحوم الميتة؟ فإنها تدهن بها السفن والجلود ويستصبح بها. فقال: قاتل الله يهود". الحديث فظهر بهذه الرواية أن السؤال وقع عن بيع الشحوم وهو يؤيد ما قررناه، ويؤيده أيضا ما أخرجه أبو داود من وجه آخر عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال وهو عند الركن " قاتل الله اليهود، إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه " قال جمهور العلماء: العلة في منع بيع الميتة والخمر والخنزير النجاسة فيتعدى ذلك إلى كل نجاسة، ولكن المشهور عند مالك طهارة الخنزير. والعلة في منع بيع الأصنام عدم المنفعة المباحة، فعلى هذا إن كانت بحيث إذا كسرت ينتفع برضاضها جاز بيعها عند بعض العلماء من الشافعية وغيرهم، والأكثر على المنع حملا للنهي على ظاهره، والظاهر أن النهي عن بيعها للمبالغة في التنفير عنها، ويلتحق بها في الحكم الصلبان التي تعظمها النصارى ويحرم نحت جميع ذلك وصنعته، وأجمعوا على تحريم بيع الميتة والخمر والخنزير إلا ما تقدمت الإشارة إليه في " باب تحريم الخمر " ولذلك رخص بعض العلماء في القليل من شعر الخنزير للخرز حكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وأبي يوسف وبعض المالكية، فعلى هذا فيجوز بيعه، ويستثنى من الميتة عند بعض العلماء ما لا تحله الحياة كالشعر والصوف والوبر فإنه طاهر فيجوز بيعه وهو قول أكثر المالكية والحنفية، وزاد بعضهم العظم والسن والقرن والظلف. وقال بنجاسة الشعور الحسن والليث والأوزاعي. ولكنها تطهر عندهم بالغسل، وكأنها متنجسة عندهم بما يتعلق بها من رطوبات لميتة لا نجسة العين، ونحوه قول ابن القاسم في عظم الفيل إنه يطهر إذا سلق بالماء، وقد تقدم كثير من مباحث هذا الحديث في " باب لا يذاب شحم الميتة". الشرح: قوله: (باب ثمن الكلب) أورد فيه حديثين: أحدهما عن أبي مسعود " أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن". ثانيهما حديث أبي جحيفة " نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب. وكسب الأمة " الحديث، وقد تقدم في " باب موكل الربا " في أوائل البيع. واشتمل هذان الحديثان على أربعة أحكام أو خمسة إن غايرنا بين كسب الأمة ومهر البغي: الأول ثمن الكلب، وظاهر النهي تحريم بيعه، وهو عام في كل كلب معلما كان أو غيره مما يجوز اقتناؤه أو لا يجوز، ومن لازم ذلك أن لا قيمة على متلفه، وبذلك قال الجمهور. وقال مالك لا يجوز بيعه وتجب القيمة على متلفه، وعنه كالجمهور، وعنه كقول أبي حنيفة يجوز وتجب القيمة. وقال عطاء والنخعي يجوز بيع كلب الصيد دون غيره وروى أبو داود من حديث ابن عباس مرفوعا " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وقال: إن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا " وإسناده صحيح، وروى أيضا بإسناد حسن عن أبي هريرة مرفوعا " لا يحل ثمن الكلب ولا حلوان الكاهن ولا مهر البغي " والعلة في تحريم بيعه عند الشافعي نجاسته مطلقا وهي قائمة في المعلم وغيره، وعلة المنع عند من لا يرى نجاسته النهي عن اتخاذه والأمر بقتله ولذلك خص منه ما أذن في اتخاذه، ويدل عليه حديث جابر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد " أخرجه النسائي بإسناد رجاله ثقات إلا أنه طعن في صحته، وقد وقع في حديث ابن عمر عند ابن أبي حاتم بلفظ " نهى عن ثمن الكلب وإن كان ضاريا " يعني مما يصيد وسنده ضعيف، قال أبو حاتم هو منكر. وفي رواية لأحمد " نهى عن ثمن الكلب وقاله طعمة جاهلية " ونحوه للطبراني من حديث ميمونة بنت سعد. وقال القرطبي مشهور مذهب مالك جواز اتخاذ الكلب وكراهية بيعه ولا يفسخ إن وقع، وكأنه لما لم يكن عنده نجسا وأذن في اتخاذه لمنافعه الجائزة كان حكمه حكم جميع المبيعات، لكن الشرع نهى عن بيعه تنزيها لأنه ليس من مكارم الأخلاق، قال وأما تسويته في النهي بينه وبين مهر البغي وحلوان الكاهن فمحمول على الكلب الذي لم يؤذن في اتخاذه، وعلى تقدير العموم في كل كلب فالنهي في هذه الثلاثة في القدر المشترك من الكراهة أعم من التنزيه والتحريم، إذ كان واحد منهما منهي عنه ثم تؤخذ خصوصية كل واحد منهما من دليل آخر، فإنا عرفنا تحريم مهر البغي وحلوان الكاهن من الإجماع لا من مجرد النهي، ولا يلزم من الاشتراك في العطف الاشتراك في جميع الوجوه إذ قد يعطف الأمر على النهي والإيجاب على النفي. الحكم الثاني مهر البغي وهو ما تأخذه الزانية على الزنا سماه مهرا مجازا، والبغي بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتانية وهو فعيل بمعنى فاعلة وجمع البغي بغايا، والبغاء بكسر أوله الزنا والفجور، وأصل البغاء الطلب غير أنه أكثر ما يستعمل في الفساد، واستدل به على أن الأمة إذا أكرهت على الزنا فلا مهر لها، وفي وجه للشافعية يجب للسيد. الحكم الثالث كسب الأمة، وسيأتي في الإجارة " باب كسب البغي والإماء " وفيه حديث أبي هريرة " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الإماء " زاد أبو داود من حديث رافع بن خديج " نهى عن كسب الأمة حتى يعلم من أين هو " فعرف بذلك النهي والمراد به كسبها بالزنا لا بالعمل المباح، وقد روى أبو داود أيضا من حديث رفاعة بن رافع مرفوعا " نهى عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها " وقال هكذا بيده نحو الغزل والنفش وهو بالفاء أي نتف الصوف، وقيل المراد بكسب الأمة جميع كسبها وهو من باب سد الذرائع لأنها لا تؤمن إذا ألزمت بالكسب أن تكسب بفرجها، فالمعنى أن لا يجعل عليها خراج معلوم تؤديه كل يوم. الحكم الرابع حلوان الكاهن، وهو حرام بالإجماع لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل، وفي معناه التنجيم والضرب بالحصى وغير ذلك مما يتعاناه العرافون من استطلاع الغيب، والحلوان مصدر حلوته حلوانا إذا أعطيته، وأصله من الحلاوة شبه بالشيء الحلو من حيث أنه يأخذه سهلا بلا كلفة ولا مشقة يقال حلوته إذا أطعمته الحلو، والحلوان أيضا الرشوة، والحلوان أيضا أخذ الرجل مهر ابنته لنفسه. وسيأتي الكلام على الكهانة وأصلها وحكمها في أواخر كتاب الطب من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. الحكم الخامس ثمن الدم، واختلف في المراد به فقيل أجرة الحجامة، وقيل هو على ظاهره، والمراد تحريم بيع الدم كما حرم بيع الميتة والخنزير، وهو حرام إجماعا أعني بيع الدم وأخذ ثمنه، وسيأتي الكلام على حكم أجرة الحجام في الإجارة إن شاء الله تعالى. وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين اثنان وخمسون أثرا. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
|